فصل: الحديث الأَرْبَعُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا فعلِّمني مَا يجزئني فِي صَلَاتي. فَقَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي خَالِد الدالاني، عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا، فعلمني مَا يجزئني مِنْهُ. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. قَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا لله، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَعَافنِي واهدني وارزقني. فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما هَذَا فقد مَلأ يَدَيْهِ من الْخَيْر».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك إِلَّا أَنه لم يقل مِنْهُ بعد «مَا يجزئني»، وَزَاد: «اغْفِر لي». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الفَضْل بن مُوسَى، نَا مسعر، عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن ابْن أبي أَوْفَى إِلَى قَوْله: «إِلَّا بِاللَّه». وَقَالَ: «إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ شَيْئا من الْقُرْآن فعلمني شَيْئا يجزئني من الْقُرْآن» بدل مَا ذكره.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِهَذَا السَّنَد بِلَفْظ «ذكر أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ شَيْئا من الْقُرْآن». وَفِي لفظ «عَلمنِي شَيْئا يجزئني من الْقُرْآن فَإِنِّي لَا أَقرَأ. فَقَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. ثمَّ ذكر الْبَاقِي بِنَحْوِ رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي خَالِد الدالاني، عَن إِبْرَاهِيم- قَالَ: وَلَيْسَ بالنخعي- عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أتعلم الْقُرْآن فَمَا يجزئني فِي صَلَاتي؟ فَقَالَ: تَقول: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَالله أكبر، وَلَا إِلَه إِلَّا الله...». ثمَّ ذكر الحَدِيث كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد إِلَّا أَن فِيهِ بعد «فقد مَلأ يَدَيْهِ من الْخَيْر»: «وَقبض كفيه». وَهَذِه مُطَابقَة لرِوَايَة الرَّافِعِيّ «مَا يجزئني فِي صَلَاتي...».
ثمَّ رَوَاهُ أَيْضا من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة بِلَفْظ «فعلمني مَا يجزئني مِنْهُ قَالَ: قل: بِسم الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. قَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا لله فَمَا لي...» ثمَّ ذكر نَحوه.
وَرَوَاهُ ابْن الْجَارُود فِي الْمُنْتَقَى من حَدِيث سُفْيَان، عَن مسعر، عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن ابْن أبي أَوْفَى «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، عَلمنِي شَيْئا يجزئني عَن الْقُرْآن قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر». قَالَ سُفْيَان: زَاد يزِيد أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ «قَالَ الرجل: هَذَا لرَبي، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني واهدني وَعَافنِي. قَالَ الرجل: أَربع لرَبي وَأَرْبع لي».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث جَعْفَر بن عون وسُفْيَان، عَن مسعر، عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عَلمنِي شَيْئا يجزئني من الْقُرْآن فَإِنِّي لَا أَقرَأ. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ: فضم عَلَيْهَا الرجل بِيَدِهِ وَقَالَ: هَذَا لرَبي، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني واهدني وارزقني وَعَافنِي. قَالَ: فضم عَلَيْهَا بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَقَامَ». زَاد جَعْفَر بن عون فِي حَدِيثه: «قَالَ مسعر: كنت عِنْد إِبْرَاهِيم وَهُوَ يحدث بِهَذَا الحَدِيث فاستثبته من غَيره».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِبْرَاهِيم هَذَا من فرسَان البُخَارِيّ احْتج بِهِ فِي صَحِيحه وَإِن كَانَ الْحَاكِم ذكره فِي مدخله فِي بَاب من أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَذكر بِشَيْء من الْجرْح، ثمَّ غفل فَذكره فِي بَاب من اتفقَا عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن عدي: لم أجد لَهُ حَدِيثا مُنكر الْمَتْن وَهُوَ إِلَى الصدْق أقرب مِنْهُ إِلَى غَيره. وَلينه شُعْبَة وَالنَّسَائِيّ، وَضَعفه أَحْمد لكنه لم يُفَسر سَبَب ضعفه.
قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: ضعفه قوم فَلم يَأْتُوا بِحجَّة، وَهُوَ ثِقَة.
قلتُ: وصحَّحه مَعَ الْحَاكِم أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه من حَدِيث مسعر، عَن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِني لَا أحسن من الْقُرْآن شَيْئا فعلمني شَيْئا يجزئني مِنْهُ. فَقَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. قَالَ: هَذَا لرَبي، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وارزقني وَعَافنِي» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان عَن مسعر بن كدام، وَيزِيد أَبُو خَالِد، عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل السكْسكِي، عَن ابْن أبي أَوْفَى «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، علِّمني شَيْئا يجزئني عَن الْقُرْآن. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر». قَالَ سُفْيَان: أرَاهُ قَالَ: «وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه».
قَالَ أَبُو حَاتِم: يزِيد أَبُو خَالِد هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الدالاني أَبُو خَالِد.
قلت: وتابع الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي الْحَاكِم فِي كَونه عَلَى شَرط البُخَارِيّ، فَذكره فِي آخر اقتراحه فِي الْقسم الْخَامِس فِي ذكر أَحَادِيث رَوَاهَا قوم خرج عَنْهُم البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَلم يخرج عَنْهُم مُسلم أَو خرج عَنْهُم مَعَ الاقتران بِالْغَيْر، وَأما قَول النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ د س من رِوَايَة إِبْرَاهِيم السكْسكِي وَهُوَ ضَعِيف، وإدخاله إِيَّاه فِي فصل الضَّعِيف من خلاصته فَلَيْسَ بجيد مِنْهُ. عَلَى أَن إِبْرَاهِيم هَذَا لم ينْفَرد بِهِ فقد رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيق أُخْرَى بِدُونِهِ، عَن الْحُسَيْن بن إِسْحَاق الْأَصْبَهَانِيّ، نَا أَبُو أُميَّة، نَا الْفضل بن موفق، نَا مَالك بن مغول، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أتعلم الْقُرْآن، فعلمني مَا يجزئني من الْقُرْآن. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ: هَذَا لله، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: رب اغْفِر لي وارحمني، واهدني، وَعَافنِي، وارزقني. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد مَلأ يَدَيْهِ خيرا».
وَرَوَاهُ أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، عَن أبي عوَانَة، عَن أبي أُميَّة بِهِ، لَكِن الْفضل بن الْمُوفق ضعفه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَقَالَ: كَانَ شَيخا صَالحا، وَكَانَ يروي أَحَادِيث مَوْضُوعَة. وَأَبُو أُميَّة هُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم كَمَا وَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ حَافظ ثِقَة، لَكِن قَالَ الْحَاكِم: كثير الْوَهم.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صليت خلف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ: وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين. وَمد بهَا صَوته».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار، نَا يَحْيَى بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَا: نَا سُفْيَان، عَن ابْن كهيل، عَن حُجرِ بن عَنْبَس، عَن وَائِل بن حجر قَالَ: «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين فَقَالَ: آمين. وَمد بهَا صَوته».
وَهَذَا حَدِيث رُوَاته كلهم ثِقَات، حجر بن عَنْبَس كنيته: أَبُو العنبس، وَيُقَال: أَبُو السكن، كُوفِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم يسمع من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا، كَمَا نَقله ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله عَن أَبِيه.
وَفِي مُعْجم الْبَغَوِيّ: لَيْسَ لَهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غير «أَن الصّديق وَعمر خطبا فَاطِمَة فَقَالَ: هِيَ لَك يَا عَلّي» وَلَا أَحْسبهُ سَمعه من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ الصغاني: فِي صحبته نظر. وقَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ يشرب الدَّم فِي الْجَاهِلِيَّة، وَشهد مَعَ عَلّي الْجمل وصفين.
قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ شيخ كُوفِي ثِقَة مَشْهُور. وَقَالَ الْخَطِيب: كَانَ ثِقَة، احْتج بحَديثه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة. وَهَذَا يرد قَول ابْن الْقطَّان فِي الْوَهم والإِيهام أَنه مَسْتُور لَا يعرف لَهُ حَال. وَبَاقِي رُوَاته من فرسَان الصَّحِيح. لَا جرم أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. كَمَا نَقله عَنهُ ابْن الْقطَّان فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي أَمَالِيهِ الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة: هَذَا حَدِيث حسن ثَابت.
قلت: وتصحف عَلَى ابْن حزم حجر بن عَنْبَس السالف بِحجر بن قيس فَذكر الحَدِيث من جِهَته ثمَّ شرع ابْن عبد الْحق يرد عَلَى ابْن حزم حَيْثُ صَححهُ قيس بن حجر هَذَا مَجْهُول الْحَال.
وَهَذَا عَجِيب مِنْهُمَا فالمذكور فِي هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ حجر بن عَنْبَس، وَحجر بن قيس لم يرو عَن وَائِل بن حجر، فَتنبه لذَلِك.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن كثير، أَنا سُفْيَان، عَن سَلمَة، عَن حجر أبي العنبس الْحَضْرَمِيّ، عَن وَائِل بن حجر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين. وَرفع بهَا صَوته». وَهَذَا أَيْضا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات أَئِمَّة من فرسَان الصَّحِيح إِلَّا حجرا فَإِنَّهُ ثِقَة كَمَا أسلفته لَك.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق عَن سُفْيَان، عَن سَلمَة، عَن حجر، عَن وَائِل بِلَفْظ «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين يمد بهَا صَوته».
وبلفظ «أَنه سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع صَوته بآمين إِذا قَرَأَ {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين}» وبلفظ «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقَالَ: آمين. وَمد بهَا صَوته». ثمَّ قَالَ- أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ-: قَالَ أَبُو بكر: هَذِه سنة تفرد بهَا أهل الْكُوفَة. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهَذِه أَحَادِيث صِحَاح.
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَنا وهب بن جرير وَعبد الصَّمد قَالَا: نَا شُعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: سَمِعت حجرا أَبَا العنبس يَقُول: حَدثنِي عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن وَائِل بن حجر أَنه صَلَّى مَعَ رَسُول الله قَالَ: «فَوضع الْيَد الْيُمْنَى عَلَى الْيَد الْيُسْرَى فَلَمَّا قَالَ: وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين وَسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذِه السُّنة لَيست بصحيحة لمُخَالفَة الثَّوْريّ شُعْبَة فِي اللَّفْظَة الَّتِي ذَكرنَاهَا، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَمَا سَيَأْتِي، وَرِوَايَة ابْن حبَان هَذِه رَوَاهَا أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن خَالِد بن مخلد، نَا ابْن نمير، نَا عَلّي بن صَالح، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجر بن عَنْبَس، عَن وَائِل بن حجر «أَنه صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فجهر بآمين وَسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله حَتَّى رَأَيْت بَيَاض خَدّه».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي حَدِيث أبي بكر بن عَيَّاش، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: «صليت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ: وَلَا الضَّالّين قَالَ آمين. فسمعناها فِيهِ».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي أنيسَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: «صليت خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ: وَلَا الضَّالّين. قَالَ: آمين. مد بهَا صَوته». ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح.
وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث الْحجَّاج، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد عَلَى أَنفه مَعَ جَبهته، وسمعته يَقُول: آمين. يمد بهَا صَوته» وَاعْلَم أَنه جَاءَ فِي رِوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث «وخفض بهَا صَوته» بدل مد وَهِي خلاف مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر والأحفظ، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: وَرَوَى شُعْبَة هَذَا الحَدِيث، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجر أبي العنبس، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن أَبِيه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين فَقَالَ: آمين. وخفض بهَا صَوته». قَالَ: وَسمعت مُحَمَّدًا يَقُول: حَدِيث سُفْيَان أصح من حَدِيث شُعْبَة فِي هَذَا، وَأَخْطَأ شُعْبَة فِي مَوَاضِع من هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: عَن حجر أبي العنبس. وَإِنَّمَا هُوَ حجر بن عَنْبَس، ويكنى أَبَا السكن.
قلت: قد أسلفنا أَن تِلْكَ كنية لَهُ أَيْضا فَلَا خطأ إِذا. قَالَ: وَزَاد فِيهِ: عَن عَلْقَمَة بن وَائِل. وَلَيْسَ فِيهِ عَن عَلْقَمَة وَإِنَّمَا هُوَ عَن حجر بن عَنْبَس، عَن وَائِل بن حجر، قَالَ: «وخفض بهَا صَوته» وَإِنَّمَا هُوَ «وَمد بهَا صَوته». قَالَ: وَسَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: حَدِيث سُفْيَان فِي هَذَا أصح من حَدِيث شُعْبَة. قَالَ: وَرَوَى الْعَلَاء بن صَالح الْأَسدي عَن سَلمَة بن كهيل نَحْو رِوَايَة سُفْيَان. هَذَا آخر كَلَام التِّرْمِذِيّ. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: خَالف شُعْبَة فِي إِسْنَاده وَمَتنه فَقَالَ: «وأخفى بهَا صَوته» وَيُقَال: إِنَّه وهم فِيهِ؛ لِأَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن سَلمَة بن كهيل وَغَيرهمَا رَوَوْهُ عَن سَلمَة فَقَالُوا: «رفع صَوته بآمين» وَهُوَ الصَّوَاب.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: لَا أعلم خلافًا بَين أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن سُفْيَان وَشعْبَة إِذا اخْتلفَا فَالْقَوْل قَول سُفْيَان. قلت: وقد وَافقه مرّة فَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن شُعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: سَمِعت حجرا أَبَا العنبس يحدث، عَن وَائِل الْحَضْرَمِيّ «أَنه صَلَّى خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ: وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين. رَافعا بهَا صَوته». فَهَذِهِ الرِّوَايَة عَن شُعْبَة توَافق رِوَايَة سُفْيَان.
وَقَالَ الْأَثْرَم: اضْطربَ شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ مرّة: عَن سَلمَة، عَن حجر، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل أَو عَن وَائِل. وَقَالَ مرّة: عَن سَلمَة، عَن حجر، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل. وَقَالَ مرّة: عَن سَلمَة، عَن حجر، عَن عَلْقَمَة عَن أَبِيه.
وَرَوَاهُ سُفْيَان فَلم يضطرب فِي إِسْنَاده وَلَا فِي الْكَلَام، قَالَ: سَلمَة، عَن حجر، عَن وَائِل، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَنه كَانَ يجْهر بهَا» وَرَوَى ذَلِك من وَجه آخر: نَا أَبُو عبد الله، نَا أَبُو بكر بن عَيَّاش. ثمَّ سَاق الرِّوَايَة السالفة فَقَالَ: فقد صَحَّ الْجَهْر بالتأمين من وُجُوه لم يَصح فِيهِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء غَيره.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان- بعد أَن ذكر اللَّفْظَيْنِ-: هَذَا الحَدِيث فِيهِ أَرْبَعَة أُمُور.
أَحدهَا: اخْتِلَاف شُعْبَة وسُفْيَان فِي خَفَضَ ورَفَعَ، فسفيان يَقُول: «مد بهَا صَوته» وَشعْبَة يَقُول: «خفض بهَا صَوته».
وَثَانِيها: اخْتِلَافهمَا فِي حجر. فشعبة يَقُول فِيهِ: حجر أَبُو العنبس. وَالثَّوْري يَقُول: حجر بن عَنْبَس. وَصوب البُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة قَول الثَّوْريّ، وَلَا أَدْرِي لم لَا يصوب قَوْلهمَا جَمِيعًا حَتَّى يكون حجر بن عَنْبَس أَبَا العنبس.
قلت: وَهَذَا قد بحثته قبل أَن أَقف عَلَيْهِ- كَمَا أسلفته- وَقد رَأَيْته بعد ذَلِك كَذَلِك فِي الثِّقَات لِابْنِ حبَان، فَالْحَمْد لله. قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَكُونَا- أَعنِي البُخَارِيّ وَأَبا زرْعَة- قد علما لَهُ كنية أُخْرَى، وأنى ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يعرف حَاله وَهَذَا هُوَ الثَّالِث؛ فَإِن المستور الَّذِي رَوَى عَنهُ أَكثر من وَاحِد مُخْتَلف فِي قبُول حَدِيثه ورده.
قلت: عَجِيب مِنْهُ فِي هَذَا فَإِنَّهُ ثِقَة مَشْهُور كَمَا أسلفناه.
رَابِعهَا: أَنَّهُمَا- أَعنِي الثَّوْريّ وَشعْبَة- اخْتلفَا أَيْضا فِي شَيْء آخر، وَهُوَ أَن جعله الثَّوْريّ من رِوَايَة حجر، عَن وَائِل. وَجعله شُعْبَة من رِوَايَة حجر، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن وَائِل.
قلت: يحْتَمل أَنه سَمعه مرّة من وَائِل، وَمرَّة من عَلْقَمَة، عَن وَائِل، فَرَوَاهُ عَن هَذَا مرّة، وَعَن الآخر مرّة أُخْرَى، وَقد صرح بذلك الْكَجِّي فِي سنَنه فَقَالَ: نَا عَمْرو بن مَرْزُوق، أَنا شُعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجر، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن وَائِل قَالَ: وسَمعه حجر من وَائِل قَالَ: «صَلَّى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» الحَدِيث، قَالَ: «وأخفى بهَا صَوته».
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلما ذكر الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة الثَّوْريّ صححها كَأَنَّهُ عرف من حَال حجر الثِّقَة، وَلم يره مُنْقَطِعًا بِزِيَادَة شُعْبَة «عَلْقَمَة بن وَائِل» فِي الْوسط، وَفِي ذَلِك نظر. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ مُوجب حكم التِّرْمِذِيّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حسن، وَقد كَانَ من جملَة اضطرابهما فِي مَتنه «يخْفض» و«يرفع» وَالِاضْطِرَاب فِي الْمَتْن عِلّة مضعفة. قَالَ: فَالْحَدِيث لِأَن يُقَال فِيهِ: «ضَعِيف» أقرب مِنْهُ إِلَى أَن يُقَال فِيهِ «حسن». هَذَا كَلَامه وَلَا نسلِّم لَهُ ذَلِك بل هُوَ حسن أَو صَحِيح كَمَا قدمنَا عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة تَصْحِيحه.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْمطلب بن زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عدي بن ثَابت، عَن زر، عَن عَلّي قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين». قَالَ: هَذَا خطأ. قلت: فحدثنا أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم الأودي، عَن بكر بن عبد الرَّحْمَن، عَن عِيسَى بن الْمُخْتَار، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجية بن عدي، عَن عَلّي «أَنه سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: آمين. حِين يفرغ من قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب». قَالَ: وَهَذَا أَيْضا عِنْدِي خطأ إِنَّمَا هُوَ سَلمَة عَن حجر أبي العنبس، عَن وَائِل بن حجر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَقلت: فَحَدِيث الْمطلب فَمَا حَاله؟ قَالَ: لم يروه غَيره وَلَا أَدْرِي مَا هُوَ. وَهَذَا من ابْن أبي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ سيئ الْحِفْظ. وَالله أعلم.

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمن أَمن من خَلفه حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ ضجَّة».
هَذَا الحَدِيث كَذَا أوردهُ تبعا للغزالي وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه فَإِنَّهُ كَذَا ذكره قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا «لجَّة» بدل «ضجة»، وَاعْترض ابْن الصّلاح عَلَيْهِمَا فَقَالَ: كَذَا أوردهُ شَيْخه وَهُوَ غير صَحِيح مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ، عَن عَطاء- هُوَ ابْن أبي رَبَاح- قَالَ: كنت أسمع الْأَئِمَّة- ابْن الزبير فَمن بعده- يَقُولُونَ: آمين وَمن خَلفهم: آمين. حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى الْوَسِيط الْمُسَمَّاة بالتنقيح: هَكَذَا ذكر هَذَا الحَدِيث هُوَ فِي الْبَسِيط، وشَيْخه فِي النِّهَايَة وَهُوَ غلط، وَصَوَابه مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عَطاء فَذكره وَسَيَأْتِي آخر الْبَاب. وَأَقُول: مَا ذكره هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الإِمَام وَالْغَزالِيّ والرافعي قد أخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه بِنَحْوِهِ من حَدِيث بشر بن رَافع، عَن أبي عبد الله ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «ترك النَّاس التَّأْمِين وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ: غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين. حَتَّى يسْمعهَا أهلُ الصَّفّ الأول فيرتجُّ بهَا الْمَسْجِد».
وَأخرجه أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ عَن أبي هُرَيْرَة «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَلا غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين. حَتَّى يسمع من يَلِيهِ من الصَّفّ الأول».
قلت: وَالظَّاهِر بل الْمَقْطُوع بِهِ أَنهم لَا يتخلفون عَن تأمينه، وَكَأن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة رَوَوْهُ بِالْمَعْنَى، وَادَّعَى ابْن حزم تَوَاتر هَذَا الحَدِيث وَفِيه نظر، فَإِن بشر بن رَافع الْمُتَقَدّم لَيْسَ بِحجَّة وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ ابْن معِين مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ بأخباره بَأْس، وَلم أجد لَهُ حَدِيثا مُنْكرا. وَأَيْضًا ابْن عَم أبي هُرَيْرَة ادَّعَى ابْن عبد الْحق جهالته فِيمَا رده عَلَى الْمُحَلَّى وَقَالَ: لم يروه عَنهُ إِلَّا بشر بن رَافع. وَكَأَنَّهُ قلد فِي ذَلِك ابْن الْقطَّان أَو أَحدهمَا الآخر، قَالَ ابْن الْقطَّان: والْحَدِيث لَا يَصح من أَجله.
قلت: وَابْن عَم أبي هُرَيْرَة هَذَا دوسي رَوَى عَنهُ أَبُو الزبير أَيْضا وَيُقَال: إِنَّه عبد الرَّحْمَن بن هضاض، وَيُقَال: ابْن هضاب. وَيُقَال: ابْن الهضهاض. وَيُقَال: ابْن الصَّامِت. ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَقد أخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أُخْرَى لَيْسَ فِيهَا هَذَانِ الرّجلَانِ رووها من حَدِيث عبد الله بن سَالم، عَن الزبيدِيّ، حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فرغ من قِرَاءَة أم الْقُرْآن رفع صَوته وَقَالَ: آمين». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ. قَالَ: واتفقا عَلَى تَأْمِين الإِمَام وَعَلَى تَأْمِين الْمَأْمُوم وَإِن أخفاه الإِمَام. قَالَ: وَقد اخْتَار الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي جمَاعَة من أهل الحَدِيث أَن التَّأْمِين للمأمومين لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «إِذا قَالَ الإِمَام: وَلَا الضَّالّين. فَقولُوا: آمين».

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أَمن الإِمَام أمنت الْمَلَائِكَة فَأمنُوا، فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا قَوْله: «أمنت الْمَلَائِكَة» فَإِن البُخَارِيّ انْفَرد بهَا كَمَا صرح بِهِ عبد الْحق وَغَيره وَهَذَا لَفظه فِي الدَّعْوَات من صَحِيحه «إِذا أَمن الْقَارئ فَأمنُوا فَإِن الْمَلَائِكَة تؤمن، فَمن وَافق تأمينه...» إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِذا قَالَ أحدكُم فِي صلَاته: آمين. وَقَالَت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء: آمين. فَوَافَقت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى غفر لَهُ مَا تقدَّم من ذَنبه». لم يقل البُخَارِيّ: «فِي صلَاته». وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: «فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين. وَإِن الإِمَام يَقُول آمين».
وَفِي رِوَايَة لَهما- أَعنِي البُخَارِيّ وَمُسلمًا-: «إِذا قَالَ الْقَارئ: غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين فَقَالَ من خَلفه: آمين. فَوَافَقَ قَوْله قَول أهل السَّمَاء غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «إِذا قَالَ الإِمَام غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين فَقولُوا: آمين. فَإِنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه». وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَابْن حبَان بعد «فَقولُوا: آمين»: «فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين. فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه». وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث آخر من طَرِيق أبي هُرَيْرَة «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا يَقُول: لَا تبَادرُوا الإِمَام، إِذا كبر فكبروا، وَإِذا قَالَ: وَلَا الضَّالّين فَقولُوا: آمين. وَإِذا ركع فاركعوا....» الحَدِيث.
وَزَاد الْغَزالِيّ فِي وسيطه ووجيزه فِي هَذَا الحَدِيث: «وَمَا تَأَخّر». قَالَ ابْن الصّلاح: وَهِي زِيَادَة لَيست بصحيحة قلت لَكِن ذكرهَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَصحح إسنادها كَمَا ذكرت ذَلِك عَنهُ فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا قَالَ الإِمَام: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فأنصتوا» وَهِي ضَعِيفَة غَايَة بِسَبَب مُحَمَّد بن يُونُس الْكُدَيْمِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، فَإِنَّهُ مِمَّن يتهم بِالْوَضْعِ. ورد عبد الْحق هَذِه الرِّوَايَة بِأَن قَالَ: الصَّحِيح الْمَعْرُوف: «فَقولُوا: آمين». ورده بِمَا ذَكرْنَاهُ أولَى، وَقد ذكرت فِي شرح الْعُمْدَة أقوالًا فِي هَذِه الْمُوَافقَة وفوائد أُخْرَى مُتَعَلقَة بِهِ فَرَاجعهَا مِنْهُ.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيسْتَحب لكل من قَرَأَ الْفَاتِحَة خَارج الصَّلَاة أَو فِي الصَّلَاة أَن يَقُول عقب الْفَرَاغ: آمين. ثَبت ذَلِك عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: قد بَينا ذَلِك وَاضحا.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الظّهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل رَكْعَة قدر ثَلَاثِينَ آيَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر خمس عشرَة آيَة- أَو قَالَ: نصف ذَلِك- وَفِي الْعَصْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل رَكْعَة قدر قِرَاءَة خمس عشرَة آيَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر نصف ذَلِك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ وَمِنْه نقلته وَفِي بعضه زِيَادَة عَلَى مَا فِي الْكتاب. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي سعيد أَيْضا قَالَ: «كُنَّا نحزر قيام رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظّهْر وَالْعصر، فحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الظّهْر قدر قِرَاءَة الم تَنْزِيل السَّجْدَة. وحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قدر النّصْف من ذَلِك، وحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الْعَصْر عَلَى قدر قِيَامه فِي الْأُخْرَيَيْنِ من الظّهْر، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ من الْعَصْر عَلَى النّصْف من ذَلِك». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قدر ثَلَاثِينَ آيَة» بدل: الم تَنْزِيل. السَّجْدَة وَوَقع هَذَا الحَدِيث فِي بسيط الْغَزالِيّ ووسيطه عَلَى غير وَجهه فَقَالَ: لقَوْل أبي سعيد الْخُدْرِيّ «حزرنا قِرَاءَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَوليين من الظّهْر فَكَانَت قدر قِرَاءَة سبعين آيَة» وَصَوَابه «قدر سِتِّينَ آيَة». وَقد تبعه عَلَى هَذَا تِلْمِيذه الْغَزالِيّ، قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ وهم تسلسل وتواردوا عَلَيْهِ.

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِنَا فَيقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطِيل فِي الأولَى مَا لَا يُطِيل فِي الثَّانِيَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور بِزِيَادَة: «فظننا أَنه يُرِيد بذلك أَن يدْرك النَّاس من الرَّكْعَة الأولَى». وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا فَلفظ مُسلم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي بِنَا فَيقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَكَانَ يطول الرَّكْعَة الأولَى من الظّهْر وَيقصر الثَّانِيَة، وَكَذَا فِي الصُّبْح». وَفِي لفظ لَهُ: «وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب». وَلَفظ البُخَارِيّ «كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من صَلَاة الظّهْر بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، يطول فِي الأولَى وَيقصر فِي الثَّانِيَة، وَيسمع الْآيَة أَحْيَانًا، وَكَانَ يقْرَأ فِي الْعَصْر بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، وَكَانَ يطول فِي الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الصُّبْح وَيقصر فِي الثَّانِيَة».
وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر فِي الْأَوليين بِأم الْكتاب وسورتين، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأم الْكتاب، ويسمعنا الْآيَة، وَيطول فِي الرَّكْعَة الأولَى مَا لَا يطول فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة، وَهَكَذَا فِي الْعَصْر، وَهَكَذَا فِي الصُّبْح».
وَمن تراجم البُخَارِيّ عَلَيْهِ من خَافت الْقِرَاءَة فِي الظّهْر وَالْعصر، وَإِذا أسمع الإِمَام الْآيَة.